للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء (١) كقوله تعالى: ﴿ص﴾، ﴿ن﴾، ﴿حم﴾، ﴿طس﴾، ﴿الم﴾ ونحو ذلك، فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس.

وقيل: المراد قضي الأمر والله، وأن قوله: ﴿ق﴾ قال: دلَّت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:

قلت لها قفي فقالت ق (٢)

وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه، ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف؟

وقوله تعالى: ﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ أي: الكريم العظيم الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)[فصلت] واختلفوا في جواب القسم ما هو؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤)﴾، وفي هذا نظر (٣) بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم، وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه، وإن لم يكن القسم يلتقي لفظًا، وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢)[ص] وهكذا قال ههنا: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)

﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢)﴾ أي: تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر، كقوله تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ [يونس: ٢] أي: وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس.

ثم قال مخبرًا عنهم في تعجبهم أيضًا من المعاد واستبعادهم لوقوعه: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)﴾ أي: يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا ترابًا، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب؟ ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ أي: بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه.

قال الله تعالى رادًّا عليهم: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ أي: ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ أي: حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضًا فيه كل الأشياء مضبوطة.

قال العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ أي: ما تأكل من لحومهم وأبشارهم، وعظامهم وأشعارهم (٤)، وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم (٥).


(١) تقدم تخريجه في تفسير ﴿الم﴾ في سورة البقرة.
(٢) تقدم عزوه وبيان عجزه كسابقه.
(٣) قول الحافظ ابن كثير: وفي هذا نظر. فيه نظر أيضًا، فإن الإمام الطبري ذكر هذا القول عن أهل البصرة ثم أردفه بقول آخر عن أهل الكوفة بأن ﴿ق﴾ فيها المعنى الذي أقسم به. ثم رجح هذا القول، فما نقله الحافظ ابن كثير مبتور. وما رجحه الحافظ ابن كثير يتضمن ما رجحه الإمام الطبري رحمهم الله تعالى.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بالآثار التالية.
(٥) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن =