للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم بين سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)﴾ أي: وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل، والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)[الذاريات].

﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١)﴾.

يقول تعالى منبهًا للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا﴾ أي: بالمصابيح.

﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ قال مجاهد: يعني من شقوق (١)، وقال غيره: فتوق، وقال غيره: صدوع (٢)، والمعنى متقارب كقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)[الملك] أي: كليل عن أن يرى عيبًا أو نقصًا.

وقوله: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ أي: وسعناها وفرشناها ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب، فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أي: من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)[الذاريات] وقوله: بهيج؛ أي: حسن المنظر

﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)﴾ أي: ومشاهدة خلق السماوات والأرض وما جعل الله فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكل عبد منيب؛ أي: خاضع خائف وجل رجّاع إلى الله ﷿.

وقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ أي: نافعًا ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ﴾ أي: حدائق من بساتين ونحوها ﴿وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ وهو الزرع الذي يراد لحبه وادخاره

﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ أي: طوالًا شاهقات، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وغيرهم: الباسقات الطوال (٣). ﴿لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ أي: منضود (٤)

﴿رِزْقًا لِلْعِبَادِ﴾ أي: للخلق ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾


= قتادة، وقول الضحاك أخرجه البُستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرج الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الشيء المُتبرئ بعضه من بعض.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري وعبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة، أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سماك عن عكرمة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة بلفظ: "نُضِّد بعضه على بعض".