للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهي الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك، مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يُحيي الله الموتى وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحسِّ أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث، كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧] وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)[الأحقاف] وقال : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)[فصلت].

﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)﴾.

يقول تعالى متهددًا لكفار قريش، بما أحلَّه بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبلهم، من النقمات والعذاب الأليم في الدنيا كقوم نوح وما عذبهم الله تعالى به من الغرق العام لجميع أهل الأرض وأصحاب الرسِّ، وقد تقدمت قصتهم في سورة الفرقان.

﴿وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣)﴾ وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ومعاملتها من الغور، وكيف خسف الله تعالى بهم الأرض، وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق.

﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ وهم قوم شعيب ﴿وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ وهو اليماني، وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته ههنا، ولله الحمد والشكر.

﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أي: كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسولهم، ومن كذب رسولًا فكأنما كذب جميع الرسل كقوله: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)[الشعراء] وإنما جاءهم رسول واحد فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ أي: فحق عليهم ما أوعدهم الله تعالى على التكذيب من العذاب والنكال، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذبوا أولئك.

وقوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ أي: أفعجزنا ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإعادة ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا والإعادة أسهل منه كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] وقال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)[يس].

وقد تقدم في الصحيح: "يقول الله تعالى يؤذيني ابن آدم يقول لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" (١).


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الروم آية ٢٧.