للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: معتد في منطقه وسيرته وأمره (١).

﴿مُرِيبٍ﴾ أي: شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره

﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ أي: أشرك بالله فعبد معه غيره ﴿فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ وقد تقدم في الحديث أن عنقًا من النار يبرز للخلائق فينادي بصوت يسمع الخلائق: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين، ثم تنطوي عليهم.

قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية هو: ابن هشام، حدثنا شيبان، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير نفس فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم" (٢).

﴿قَالَ قَرِينُهُ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وكِّل به (٣). ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ أي: يقول عن الإنسان الذي قد أوفى القيامة كافرًا يتبرأ منه شيطانه فيقول: ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ أي: ما أضللته ﴿وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ أي: بل كان هو في نفسه ضالًّا قابلًا للباطل معاندًا للحق، كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢)[إبراهيم].

وقوله: ﴿قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ يقول الرب ﷿ للإنسي وقرينه من الجن، وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى، فيقول الإنسي؛ يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان: ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ أي: عن منهج الحق، فيقول الرب ﷿ لهما: ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ أي: عندي ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ﴾ أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين.

﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ قال مجاهد: يعني قد قضيت ما أنا قاض ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ أي: لست أعذب أحدًا إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.

﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)﴾.

يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وذلك أنه تبارك وعدها أن سيملؤها من


(١) نسبه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر بنحوه.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة إبراهيم آية ١٥.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما يليه، فقد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.