للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(والثالث): أن المخاطب بذلك النبي وبه يقول زيد بن أسلم (١) وابنه، والمعنى على قولهما: لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك فبصرك اليوم حديد، والظاهر من السياق خلاف هذا بل الخطاب مع الإنسان من حيث هو، والمراد بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ يعني: من هذا اليوم ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ أي: قوي لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصرًا حتى الكفار في الدنيا، يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك، قال الله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨]. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)[السجدة].

﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم إنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: ﴿هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ أي: معتمد محضر بلا زيادة ولا نقصان.

وقال مجاهد: هذا كلام الملك السائق (٢)، يقول ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته، وقد اختار ابن جرير أنه يعمُّ السائق والشهيد، وله اتجاه وقوة، فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)﴾.

وقد اختلف النحاة في قوله: ﴿أَلْقِيَا﴾ فقال بعضهم هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية كما روي عن الحجاج أنه كان يقول: يا حرسي اضربا عنقه، ومما أُنشد ابن جرير على هذه قول الشاعر:

فإن تزجراني يا ابن عفان أَنزجر … وإن تتركاني أحم عرضًا ممنعا (٣)

وقيل: بل هي نون التأكيد سهلت إلى الألف، وهذا بعيد لأن هذا إنما يكون في الوقف، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب، فلما أدّى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم، وبئس المصير ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)﴾ أي: كثير الكفر والتكذيب بالحق عنيد معاند للحق، معارض له بالباطل مع علمه بذلك

﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ أي: لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة ﴿مُعْتَدٍ﴾ أي: فيما ينفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد.


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب، عن ابن زيد، وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وليس عن أبيه.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) قال الطبري: وأنشدني أبو ثروان: فذكره.