للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الضحاك: العرب تقول: ألقى فلان سمعه إذا استمع بأذنيه، وهو شاهد يقول: غير غائب (١). وهكذا قال الثوري وغير واحد (٢).

وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)﴾ فيه تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى.

وقال قتادة: قالت اليهود - عليهم لعائن الله -: خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت - وهم يسمُّونه: يوم الراحة - فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه (٣).

﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ أي: من إعياء ولا تعب ولا نصب، كما قال في الآية الأخرى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)[الأحقاف] وكما قال: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧] وقال تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧)[النازعات].

وقوله: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجرًا جميلًا ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجبًا على النبي وعلى أمته حولًا ثم نسخ في حق الأمة وجوبه، ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات، ولكن منهنَّ صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: كنا جلوسًا عند النبي فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر [لا تضامون] (٤) فيه، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ (٥). ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة من حديث إسماعيل به (٦).

وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ أي فصلِّ له كقوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)[الإسراء] ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾.


(١) أخرجه البُستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٢) أخرجه البُستي بسند صحيح من طريق ابن أبي عمر العدني عن الثوري.
(٣) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح لكنه مرسل، من طريق معمر عن قتادة بنحوه لكن بدون الجملتين المحصورتين بعلامات الاعتراض.
(٤) كذا في (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل صُحفت إلى: "لا تضارون".
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٣٦٥) وسنده صحيح.
(٦) (صحيح البخاري، مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر ح ٥٥٤، وصحيح مسلم، المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر ح ٦٦٣).