للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خالته ميمونة، وصلى تلك الليلة مع النبي ثلاث عشرة ركعة ثابت في الصحيحين وغيرهما (١). فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف إلا من هذا الوجه ورشدين بن كريب ضعيف، ولعله من كلام ابن عباس موقوفًا عليه، والله أعلم.

﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ﴾ يا محمد ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ قال قتادة: قال كعب الأحبار يأمر الله تعالى ملكًا أن ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة، إن الله تعالى يأمركنَّ أن تجتمعنَ لفصل القضاء

﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ﴾ يعني: النفخة في الصور التي تأتي بالحق الذي كان أكثرهم فيه يمترون ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ أي: من الأجداث

﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣)﴾ أي: هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وإليه مصير الخلائق كلهم، فيجازي كلّا بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

وقوله: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا﴾ وذلك أن الله تعالى ينزل مطرًا من السماء ينبت به أجساد الخلائق كلها في قبورها، كما ينبت الحب في الثرى بالماء، فإذا تكاملت الأجساد أمر الله تعالى إسرافيل فينفخ في الصور وقد أودعت الأرواح في ثقب في الصور فإذا نفخ إسرافيل فيه خرجت الأرواح تتوهج بين السماء والأرض، فيقول الله ﷿: وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره فترجع كل روح إلى جسدها، فتدبُّ فيه كما يدبُّ السُّم في اللديغ، [وتنشق الأرض عنهم فيقومون إلى موقف الحساب سراعًا مبادرين إلى أمر الله ﷿ ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ] (٢) يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٨] وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢)[الإسراء] وفي صحيح مسلم، عن أنس قال: قال رسول الله : "أنا أول من تنشق عنه الأرض" (٣).

وقوله: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ أي: تلك إعادة سهلة علينا، يسيرة لدينا كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر] وقال : ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)[لقمان].

وقوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي: نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهولنَّكَ ذلك كقوله: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)[الحجر].


(١) صحيح البخاري، الوضوء، باب التخفيف في الوضوء (ح ١٣٨) وليس فيه ذكر: ثلاث عشرة ركعة، وإنما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس بلفظ: "كان رسول الله يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة" (صحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل (ح ٧٦٤).
(٢) زيادة من (حم) و (مح).
(٣) صحيح مسلم، الفضائل، باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق (ح ٢٢٧٨).