للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥)﴾ وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته

﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)﴾ احتج بهذه الآية من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام؛ لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف لأن هؤلاء كانوا قومًا مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس فاتفق الاسمان ههنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال،

وقوله: ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٣٧)﴾ أي: جعلناها عبرة لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين ﴿لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾.

﴿وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٤٦)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨)﴾ أي: بدليل باهر وحجة قاطعة

﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ﴾ أي: فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين استكبارًا وعنادًا.

وقال مجاهد: تعزز بأصحابه (١).

وقال قتادة: غلب عدو الله على قومه (٢).

وقال ابن زيد: ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ﴾ أي: بجموعه التي معه ثم قرأ ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ (٣) [هود: ٨٠] والمعنى الأول قوي كقوله تعالى: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٩] أي: معرض عن الحق مستكبر ﴿وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ أي: لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرًا أو مجنونًا

قال الله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ﴾ أي: ألقيناهم ﴿فِي الْيَمِّ﴾ وهو البحر ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ أي: وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.

ثم قال: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)﴾ أي: المفسدة التي لا تنتج شيئًا. قاله الضحاك وقتادة وغيرهما (٤)، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ أي: مما تفسده الريح ﴿إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ أي: كالشيء الهالك البالي.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبد الله بن وهب، حدثني عبد الله يعني ابن عياش الغساني، حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج، عن


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "بعضده وأصحابه".
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(٤) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة بلفظ: "الريح التي لا تنبت".