للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جعلناها فراشًا للمخلوقات ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ أي: وجعلناها مهدًا لأهلها

﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ أي: جميع المخلوقات أزواج سماء وأرض وليل ونهار، وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام، وإيمان وكفر وموت وحياة وشقاء وسعادة وجنة ونار، حتى الحيوانات والنباتات، ولهذا قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي: لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له

﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ أي: ألجأوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ أي: لا تشركوا به شيئًا ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.

﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)﴾.

يقول تعالى مسليًا لنبيه وكما قال لك هؤلاء المشركون قال المكذبون الأولون لرسلهم: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)﴾ قال الله: ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾ أي: أوصى بعضهم بعضًا بهذه المقالة ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي: لكن هم قوم طغاة تشابهت قلوبهم، فقال متأخرهم كما قال متقدمهم. قال الله تعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي: فأعرض عنهم يا محمد ﴿فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ يعني: فما نلومك على ذلك ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)﴾ أي: إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة، ثم قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾ أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعًا أو كرهًا (١). وهذا اختيار ابن جرير وقال ابن جريج: إلا ليعرفون (٢).

وقال الربيع بن أنس: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ أي: إلا للعبادة.

وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٣٨] هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك.

وقال الضحاك: المراد بذلك: المؤمنون.

وقوله تعالى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)﴾ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قالا: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله "إني لأنا الرزاق ذو القوة المتين" (٣). ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسرائيل، وقال


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٢) أخرجه البستي بسند صحيح من طريق حجاج عن ابن جريج، ولكن ابن جريج رواه عن مجاهد وهو لم يسمع من مجاهد.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٢٨٥، ٢٨٦ ح ٣٧٤١ و ٣١٣ ح ٣٧٧١) وصحح سنده محققوه. وأخرجه حفص بن عمر الدوري عن يحيى به (قراءات النبي ص ١٥٣).