للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يتعاطون المحرمات الكبائر وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الآية الأخرى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)[النساء] وقال ههنا: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ وهذا استثناء منقطع؛ لأن اللَّمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللَّمم مما قال أبو هريرة، عن النبي قال: "إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" (١) أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به (٢).

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن ثور، حدثنا معمر، عن الأعمش، عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال: زنا العينين النظر، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، فإن تقدم بفرجه كان زانيًا وإلا فهو اللَّمم (٣)، وكذا قال مسروق والشعبي (٤).

وقال عبد الرحمن بن نافع - الذي يقال له: ابن لبابة الطائفي - قال: سألت أبا هريرة عن قول الله: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ قال: القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة، فإذا مسَّ الختان الختان فقد رجب الغسل، وهو الزنا (٥).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ إلا ما سلف (٦). وكذا قال زيد بن أسلم (٧).

وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ قال: الذي يلم بالذنب ثم يدعه، قال الشاعر:

إن تغفر اللَّهمَّ تغفر جمًا … وأي عبدٍ لك ما ألمًا؟ (٨)

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قول الله تعالى: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ قال: الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه. قال: وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون:


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٢٧٦) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، الإستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج (ح ٦٣٤٣) وصحيح مسلم، القدر، باب قدر الله على ابن آدم حظه من الزنى وغيره (ح ٢٦٥٧).
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق معمر به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٧٠).
(٤) أخرجهما الطبري مختصرًا ويشهد لهما سابقهما.
(٥) أخرجه مسدد والطبري من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن عبد الرحمن بن نافع به. (ينظر: المطالب العالية، المسندة، ٤/ ١٦٤ ح ٣٧٤٤) وعبد الرحمن بن نافع لم أجد له ترجمة ولمعظمه شواهد صحيحة.
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٧) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وليس عن زيد بن أسلم، بنحوه.
(٨) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، والبيت لأمية بن الصلت كما في ديوانه ص ٥٨.