للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)﴾ كقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣] فماذا كان هذا في حق الملائكة المقربين، فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله، وهو تعالى لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها، بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه؟

﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (٢٧) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠)﴾.

يقول تعالى منكرًا على المشركين في تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى، وجعلهم لها أنها بنات الله تعالى الله عن ذلك كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩)[الزخرف] ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي: ليس لهم علم صحيح يُصَدّق ما قالوه، بل هو كذب وزور وافتراء وكفر شنيع. ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ أي: لا يجدي شيئًا ولا يقوم أبدًا مقام الحق، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" (١).

وقوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا﴾ أي: أعرض عن الذي أعرض عن الحق واهجره.

وقوله: ﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أي: وإنما أكثر همه ومبلغ علمه الدنيا، فذاك هو غاية ما لا خير فيه، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ أي: طلب الدنيا والسعي لها غاية ما وصلوا إليه. وقد روى الإمام أحمد، عن أُم المؤمنين عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له".

وفي الدعاء المأثور "اللَّهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ عملنا" (٢).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ أي: هو الخالق لجميع المخلوقات والعالم بمصالح عباده، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته وهو العادل الذي لا يجوز أبدًا لا في شرعه ولا في قدره.

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)﴾.

يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض، وأنه الغني عما سواه الحاكم في خلقه بالعدل وخلق الخلق بالحق ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ أي: يجازي كلًا بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، ثم فسَّر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش؛ أي: لا


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الحجرات آية ١٢.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ١٨.