للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أسود وأن الحبرين اللذين ذهبا مع [تبع] (١) استخرجاه وقتلاه وهدما البيت.

قال ابن إسحاق: وكانت "رُضاء" بيتًا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام.

ولقد شددت على رضاء شدة … فتركتها قفرًا بقاع أسمحا

قال ابن هشام: إنه عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة وهو القائل:

ولقد سئمت من الحياة وطولها … وعمرت من عدد السنين مئينا

مائة حدتها بعدها مائتان لي … وعمرتُ من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي إلا كما قد فاتنا … يوم يمرُّ وليلة تحدونا

وقال ابن إسحاق: وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد، وله يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة:

بين الخورنق والسدير وبارق … والبيت ذي الكعبات من سنَداد (٢)

ولهذا قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)

ثم قال تعالى: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١)﴾ أي: أتجعلون له ولدًا وتجعلون ولده أنثى، وتختارون لأنفسكم الذكور، فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت ﴿قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ أي: جورًا باطلة، فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورًا وسفهًا.

وقال تعالى منكرًا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ أي: من تلقاء أنفسكم ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أي: من حجة ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ أي: ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين. ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ أي: ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به ولا انقادوا له.

ثم قال تعالى: ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)﴾ أي: ليس كل من تمنى خيرًا حصل له ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] ما كل من زعم أنه مهتد يكون كما قال، ولا كل من ودَّ شيئًا يحصل له.

قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى، فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته" (٣). تفرد به أحمد.

وقوله: ﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥)﴾ أي: إنما الأمر كله لله مالك الدنيا والآخرة والمتصرف في الدنيا والآخرة، فهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.


(١) زيادة من (ح) و (حم).
(٢) ذكره ابن هشام (السيرة النبوية ١/ ٨٧، ٨٨).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٤/ ٣١٦ ح ٨٦٨٩) وضعف سنده محققوه لضعف عمر بن أبي سلمة عند التفرد.