للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فجعلوا يحاولون كسر الباب، وذلك عشية ولوط يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ويقول لهم: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ [هود: ٧٨] يعني: نساءهم ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٧١] ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ [هود: ٧٩] أي: ليس لنا فيهن أرب ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] فلما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول، خرج عليهم جبريل فضرب أعينهم بطرف جناحه، فانطمست أعينهم، يقال إنها غارت من وجوههم، وقيل: إنه لم تبق لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان، ويتوعدون لوطًا إلى الصباح.

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨)﴾ أي: لا محيد لهم عنه ولا انفكاك لهم منه ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)﴾.

﴿وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن فرعون وقومه: إنهم جاءهم رسول الله موسى وأخوه هارون بالبشارة إن آمنوا، والنذارة إن كفروا، وأيدهما بمعجزات عظيمة وآيات متعددة فكذبوا بها كلها، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر؛ أي: فأبادهم الله ولم يبق منهم مخبر ولا عين ولا أثر، ثم قال تعالى: ﴿أَكُفَّارُكُمْ﴾ أي: أيها المشركون من كفار قريش ﴿خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ﴾ يعني: من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل وكفرهم بالكتب، أأنتم خير من أولئكم؟ ﴿أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾ أي: أم معكم من الله براءة أن لا ينالكم عذاب ولا نكال؟

ثم قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤)﴾ أي: يعتقدون أنهم يتناصرون بعضهم بعضًا، وأن جميعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء. قال الله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)﴾ أي: سيتفرق شملهم ويغلبون.

قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن خالد، وقال أيضًا: حدثنا محمد، حدثنا عفان بن مسلم، عن وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي قال وهو في قبة له يوم بدر: "أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدًا" فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦)(١). وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع من حديث خالد، وهو ابن مهران الحذاء به (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة قال: لما نزلت ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)﴾ قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب قوله: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦)﴾ [القمر] ح ٤٨٧٧).
(٢) المصدر السابق باب قوله: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)﴾ [القمر] (ح ٤٨٧٥)، والسنن الكبرى للنسائي، التفسير، باب ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)﴾ (ح ١١٥٥٧).