للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ قال مجاهد: إذا غابت حضروا الماء. وإذا جاءت حضروا اللبن (١)، ثم قال تعالى: ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩)﴾ قال المفسرون: هو عاقر الناقة، واسمه قُدَار بن سالف (٢)، وكان أشقى قومه. لقوله: ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (١٢)[الشمس] ﴿فَتَعَاطَى﴾ أي: فجسر ﴿فَعَقَرَ (٢٩)

﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠)﴾ أي: فعاقبتهم فكيف كان عقابي لهم على كفرهم بي وتكذيبهم رسولي

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)﴾ أي: فبادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية، وخمدوا وهمدوا كما يهمد وييبس الزرع والنبات، قاله غير واحد من المفسرين، والمحتظر قال السدي هو المرعى بالصحراء حين ييبس ويحترق وتسفيه الريح.

وقال ابن زيد: كانت العرب يجعلون حظارًا على الإبل والمواشي من يبيس الشوك (٣)، فهو المراد من قوله: ﴿فَكَانُوا كَهَشِيمِ﴾.

وقال سعيد بن جبير: "هشيم المحتظر" هو التراب المتناثر من الحائط (٤)، وهذا قول غريب، والأول أقوى، والله أعلم.

﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه، وارتكبوا المكروه من إتيان الذكور، وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين، ولهذا أهلكهم الله هلاكًا لم يهلكه أمة من الأمم، فإنه تعالى أمر جبريل فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عنان السماء، ثم قلبها عليهم وأرسلها وأتبعت بحجارة من سجيل منضود، ولهذا قال ههنا: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا﴾ وهي الحجارة ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ أي: خرجوا من آخر الليل فنجوا مما أصاب قومهم، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ولا رجل واحد، حتى ولا امرأته أصابها ما أصاب قومها، وخرج نبي الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالمًا لم يمسه سوء، ولهذا قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا﴾ أي: ولقد كان قبل حلول العذاب بهم قد أنذرهم بأس الله وعذابه فما التفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه بل شكُّوا فيه وتماروا به.

﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ﴾ وذلك ليلة ورد عليه الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل في صور شباب مُرُد حسان محنة من الله بهم، فأضافهم لوط (٥)، وبعثت امرأته العجوز السوء إلى قومها فأعلمتهم بأضياف لوط، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان، فأغلق لوط دونهم الباب،


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) ذكره الطبري.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب، وهو عبد الله، عن ابن زيد.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.
(٥) ذكر الحافظ ابن كثير قصتهم مفصلة في (قصص الأنبياء ١/ ١٧٥ - ١٧٧).