للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والله أعلم لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ الآية [الحج: ١٨].

وقوله: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)﴾ يعني: العدل كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥] وهكذا قال ههنا: ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)﴾ أي: خلق السماوات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل. ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)﴾ أي: لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ [الشعراء: ١٨٢].

وقوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)﴾ أي: كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات، لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الأنام الخلق (١).

﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾ أي: مختلفة الألوان والطعوم والروائح ﴿وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ﴾ أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطبًا ويابسًا، والأكمام.

قال ابن جريج، عن ابن عباس: هي أوعية الطلع (٢). وهكذا قال غير واحد من المفسرين (٣)، وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود، فيكون بسرًا ثم رطبًا ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه.

وقال ابن أبي حاتم: ذُكر عن عمرو بن علي الصيرفي، حدثنا أبو قتيبة، حدثنا يونس بن الحارث، عن الشعبي قال: كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب: أُخبرك أن رسلي أتتني من قِبلِك فزعمت أن قِبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير، تخرج مثل آذان الحمير ثم تشقق مثل اللؤلؤ، ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أُكل، ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادًا للمسافر، فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة، فكتب إليه عمر بن الخطاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم، إن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا، وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهًا من دون الله ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)(٤) [آل عمران].


= معمر عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن الحسن.
(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(٢) سنده ضعيف لابن جريج لم يلق ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٤) سنده ضعيف لعدم ذكر شيخ ابن أبي حاتم، وضعف يونس بن الحارث الطائفي. (التقريب ص ٦١٣).