للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم" (١).

وقوله: ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ قال الضحاك: أي وبأيمانهم كتبهم كما قال: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإسراء: ٧١] (٢).

وقوله: ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: قال لهم: بشراكم اليوم جنات؛ أي: لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين فيها أبدًا ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وقوله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ وهذا إخبار منه تعالى عمَّا يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة والزلازل العظيمة، والأمور الفظيعة، وأنه لا ينجو يومئذٍ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبدة بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أُمامة الباهلي، فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها. قال أبو أُمامة: أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله، ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من الله، فتبيض وجوه وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا، ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئًا، وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)[النور] فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير، ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين حيث قال: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئًا، فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم ﴿بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ الآية (٣).

يقول سليم بن عامر: فما يزال المنافق مغترًا حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن (٤).

ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا ابن حيوة، حدثنا أرطأة بن المنذر، حدثنا


(١) أخرجه الحاكم من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٧٨).
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخه بلفظ: "كتبهم قال الله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الانشقاق: ٧] ".
(٣) أخرجه الحاكم من طريق صفوان بن عمرو به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٠٠ - ٤٠١).
(٤) هذا القول تتمة لرواية ابن أبي حاتم لم يرد في رواية الحاكم.