للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول، وهو أصدق القائلين: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧)[المدثر] فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ.

ثمِ قال تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)[المدثر] كما قال ههنا: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهبًا ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه. وقوله: ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ أي: هي مصيركم وإليها منقلبكم.

وقوله: ﴿هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ أي: هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير.

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)﴾.

يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله؛ أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه. قال عبد الله بن المبارك: حدثنا [صالح المري] (١)، عن قتادة، عن ابن عباس أنه قال: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ الآية، رواه ابن أبي حاتم، عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن حسين المروزي، عن ابن المبارك به (٢). ثم قال هو ومسلم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال؛ يعني: الليثي، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ الآية، إلا أربع سنين (٣)، كذا رواه مسلم في آخر الكتاب، وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الآية عن هارون بن سعيد الأيلي، عن ابن وهب به (٤). وقد رواه ابن ماجه من حديث موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبي حازم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه مثله (٥)، فجعله من مسند ابن الزبير، لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب، عن أبي حازم، عن


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل صحف إلى: صالح المدني.
(٢) سنده ضعيف لضعف صالح المري، وقتادة لم يسمع من ابن عباس ، ومتنه مخالف لما في الصحيح كما يلي.
(٣) أخرجه الإمام مسلم بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٦] ح ٣٠٢٧).
(٤) السنن الكبرى، التفسير، باب قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا. . .﴾ (ح ١٥٦٨).
(٥) سنن ابن ماجه، الزهد، باب الحزن والبكاء (ح ٤١٩٢). وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٣٨٠).