للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العابدين نحو ذلك (١)، وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالًا لذلك، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين نفسه ونفس المسجد، وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم، فإن الجنة في السماوات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين.

وقول كعب الأحبار: إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد، فهذا من إسرائيلياته وترهاته، وإنما المراد بذلك السور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.

﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ أي: ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات، ونقف معكم بعرفات، ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ ﴿قَالُوا بَلَى﴾ أي: فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى قد كنتم معنا ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ قال بعض السلف: أي: فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي (٢). والشهوات وتربصتم؛ أي: أخرتم التوبة من وقت إلى وقت.

وقال قتادة: ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بالحق وأهله ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ أي: بالبعث بعد الموت ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ أي: قلتم: سيغفر لنا وقيل: غرتكم الدنيا ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ أي: ما زلتم في هذا حتى جاءكم الموت ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ أي: الشيطان قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار (٣). ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين أنكم كنتم معنا؛ أي: بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلًا.

قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتًا ويعطون النور جميعًا يوم القيامة، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السورُ ويماز بينهم حينئذٍ (٤).


= ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٦٠١) وأخشى أن هذا الخبر من الزاملتين اللتين جاء بها عبد الله بن عمرو بن العاص ، وفيها ما فيها من الإسرائيليات، وسيأتي ما يؤكد ذلك.
(١) أخرجه الحاكم من طريق محمد بن ميمون عن بلال بن عبد الله مؤذن بيت المقدس عن عبادة بن الصامت. بنحوه وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: بل منكر، وآخره باطل لأنه ما اجتمع عبادة برسول الله هناك، ثم من هو ابن ميمون وشيخه؟ وفي نسخة أبي مسهر عن سعيد عن زياد بن أبي سودة قال: رئي عبادة على سور بيت المقدس يبكي وقال: من ها هنا أخبرنا رسول الله رأى جهنم. فهذا المرسل أجود. (المستدرك ٢/ ٤٧٩). وأخرجه الطبري من قول كعب الأحبار وهو معروف برواية الإسرائيليات، وقد أكدّ الحافظ ابن كثير إنه من إسرائيلياته.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري بالسند الصحيح السابق.
(٤) أخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.