للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أدرجه، فجعله في قرن ثم علَّق ذلك القرن في عنقه، فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنكم أفشيتم القتل في بني إسرائيل فادعوا فلانًا فاعرضوا عليه كتابكم، فإنه إن تبعكم فسيتابعكم بقية الناس وإن أبى فاقتلوه، فدعوا فلانًا ذلك الفقيه قالوا: أتؤمن بما في كتابنا هذا، قال: وما فيه؟ اعرضوه عليَّ؟ فعرضوه عليه إلى آخره، ثم قالوا: أتؤمن بما في كتابنا هذا؟ قال: نعم آمنت بما في هذا، وأشار بيده إلى القرن فتركوه فلما مات فتشوه فوجدوه مُتَعلِّقًا ذلك القرن، فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله فقال بعضهم لبعض: يا هؤلاء ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة، فافترقت بنو إسرائيل على اثنين وسبعين ملة، وخير مللهم ملّة أصحاب ذي القرن" قال ابن مسعود: وإنكم أوشك بكم إن بقيتم أو بقي من بقي منكم أن تروا أمورًا تنكرونها لا تستطيعون لها غيرًا، فبحسب المرء منكم أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره (١).

وروى أبو جعفر الطبري، حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال: يا أبا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال عبد الله. هلك من لم يعرف قلبه معروفًا ولم ينكر قلبه منكرًا. إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابًا من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم، وقالوا: نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب، فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه، قال فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه (٢)، فلما قيل له: أتؤمن بهذا؟ قال: آمنت به ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه، وما لي لا أؤمن بهذا الكتاب؟ فمن خير مللهم اليوم مِلَّة صاحب القرن (٣).

وقوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)﴾ فيه إشارة إلى أن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضلُّ لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعَّال، وهو الحكيم العدل في جميع الفِعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال.

﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٩)﴾.

يخبر تعالى عما يثيب به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة


(١) في سنده هشام بن عمار صدوق كبر فصار يتلقن. (التقريب ص ٥٧٣) وشهاب بن خراش: صدوق يخطئ. (التقريب ص ٢٦٩).
(٢) كذا في (ح) و (حم) وتفسير الطبري، وفي الأصل وردت من غير نقط، والثندوتان للرجل كالثديين للمرأة.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي، وضعف أبي معشر وهو نجيح.