للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ أي: دفعوه بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله لا يريدون جزاءً ممن أعطوه ولا شكورًا، ولهذا قال: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾ أي: يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها، ويزاد على ذلك إلى سبعمائة ضعف، وفوق ذلك ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي: ثواب جزيل حسن ومرجع صالح ومآب كريم.

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ هذا تمام لجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون.

قال العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ هذه مفصولة ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ (١).

وقال أبو الضحى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ ثم استأنف الكلام فقال: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ (٢). وهكذا قال مسروق والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم (٣).

وقال الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال: هم ثلاثة أصناف (٤): يعني المصدقين والصديقين والشهداء، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء: ٦٩] ففرق بين الصديقين والشهداء فدل على أنهما صنفان ولا شك أن الصديق أعلى مقامًا من الشهيد، كما رواه الإمام مالك بن أنس في كتابه الموطأ عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قال: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" (٥). اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك به (٦).

وقال آخرون: بل المراد من قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء، حكاه ابن جرير، عن مجاهد (٧)، ثم قال ابن جرير: حدثني صالح بن حرب أبو معمر، حدثنا إسماعيل بن يحيى، حدثنا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله يقول: "مؤمنو أمتي شهداء" قال: ثم تلا النبي هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ (٨). هذا حديث غريب.


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بما يليه
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه ابن حميد المتقدم ذكره قبل الرواية السابقة.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي الضحى عن مسروق، وأخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخه.
(٤) سنده صحيح.
(٥) سنده صحيح.
(٦) صحيح البخاري، بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (ح ٣٢٥٦) وصحيح مسلم، الجنة وصفة نعيمها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف .. (ح ٢٨٣١).
(٧) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "بالإيمان على أنفسهم بالله".
(٨) سنده ضعيف لضعف إسماعيل بن يحيى. (التقريب ص ١١٠).