للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ والمراد جنس السماء والأرض كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)[آل عمران] وقال ههنا: ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ أي: هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنَّه عليهم وإحسانه إليهم، كما قدمناه في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. قال: "أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين" قال: فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله : "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (١).

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)﴾.

يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: في الآفاق وفي أنفسكم ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ أي: من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة.

وقال بعضهم: من قبل أن نبرأها عائد على النفوس.

وقيل: عائد على المصيبة، والأحسن عوده على الخليقة والبرية لدلالة الكلام عليها كما قال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن قال: كنت جالسًا مع الحسن فقال رجل سلهُ عن قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ فسألته عنها فقال: سبحان الله ومن يشك في هذا؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة (٢).

وقال قتادة: ما أصاب من مصيبة في الأرض قال: هي السنون يعني الجدب ﴿وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ يقول: الأوجاع والأمراض (٣)، قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجان عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر (٤).

وهذه الآية الكريمة العظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق - قبحهم الله.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا: حدثنا أبو هانئ


(١) صحيح البخاري، الأذان، باب الذكر بعد الصلاة (ح ٨٤٣) وصحيح مسلم، المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة (ح ٥٩٥).
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) الأثر تتمة لسابقه لكن هذه التتمة فيها ضعف لأن قتادة. رواه بلاغًا.