للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله يقول: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" (١). ورواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن زيد، ثلاثتهم عن أبي هانئ به، وزاد ابن وهب: "وكان عرشه على الماء" (٢). ورواه الترمذي وقال حسن صحيح (٣).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أي: إن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ﷿؛ لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، ولو كان كيف كان يكون.

وقوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أي: أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تأسوا على ما فاتكم لأنه لو قدر شيء لكان ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أي: جاءكم، وتفسير آتاكم؛ أي: أعطاكم وكلاهما متلازم؛ أي: لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم فلا تتخذوا نعم الله أشرًا وبَطرًا تفخرون بها على الناس، ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أي: مختال في نفسه متكبر فخور؛ أي: على غيره.

وقال عكرمة: ليس أحد إلا هو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا (٤).

ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ أي: يفعلون المنكر ويحضُّون الناس عليه ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ أي: عن أمر الله وطاعته ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ كما قال موسى : ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨].

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: بالمعجزات، والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ وهو النقل الصدق ﴿وَالْمِيزَانَ﴾ وهو العدل، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما (٥)، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] وقال تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] وقال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)[الرحمن]


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٦٩). وسنده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، القدر، باب حجاج آدم وموسى (ح ٢٦٥٣).
(٣) أخرجه الترمذي من طريق حيوة به (السنن، القدر، باب رقم ١٨ ح ٢١٥٦).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن سماك البكري عن عكرمة عن ابن عباس (المصنف ١٣/ ٣٧٣) وأخرجه الحاكم من طريق ابن أبي شيبة به، وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٧٩).
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.