للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخالفوني" (١). ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر فإنه أحد الوضاعين للحديث، ولكن قد أسنده أبو يعلى عن شيبان بن فروخ، عن الصعق بن حزن به مثل ذلك (٢)، فقوي الحديث من هذا الوجه.

وقال ابن جرير وأبو عبد الرحمن النسائي واللفظ له: أخبرنا الحسين بن حريث، حدثنا الفضل بن موسى، عن سفيان بن سعيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل فكان منهم مؤمنون يقرأون التوراة والإنجيل، فقيل لملوكهم ما نجد شيئًا أشد من شتم يشتموناه هؤلاء إنهم يقرأون: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] هذه الآيات مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرأوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك دعونا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نردّ عليكم، وقالت طائفة: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنو لنا دورًا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نردّ عليكم ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم، ففعلوا ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾.

والآخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بعث الله النبي ولم يبق إلا القليل انحطَّ منهم رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد وتصديقهم به قال: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] القرآن واتباعهم النبي قال: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ الذين يتشبهون بكم ﴿أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (٣). هذا السياق فيه غرابة، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين على غير هذا، والله أعلم.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أُمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف داود بن المحبر، وضعف عقيل الجعدي، ولكن داود بن المحبر توبع كما سيأتي ويبقى ضعف عقيل، فقد أخرجه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن المبارك عن الصعق بن حزن عن عقيل به وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن عقيل الجعدي منكر الحديث. (المستدرك ٢/ ٤٨٠).
(٢) وفي سنده أيضًا شيخ الصعق وهو عقيل.
(٣) أخرجه النسائي والطبري بسنده ومتنه (السنن الكبرى، التفسير، سورة الحديد، ح ١١٥٠٣). وفي سنديهما عطاء بن السائب وهو صدوق اختلط. (التقريب ص ٣٩١).