للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعده إلا وهو من سلالته، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ﴾ وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ وهم الحواريون ﴿رَأْفَةً﴾ أي: رقة وهي الخشية ﴿وَرَحْمَةً﴾ بالخلق.

وقوله: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ أي: ابتدعها أمة النصارى ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ أي: ما شرعناها لهم وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم.

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ فيه قولان:

(أحدهما): أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة (١).

(والآخر): ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله.

وقوله تعالى: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ أي: فما قاموا بما التزموا حق القيام، وهذا ذمٌّ لهم من وجهين:

(أحدهما): في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.

(والثاني): في عدم قيامهم بما التزموا مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله ﷿.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي، حدثنا السري بن عبد ربه، حدثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده ابن مسعود قال: قال لي رسول الله : "يا ابن مسعود" قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم ، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال، فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيرات فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط، فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ " (٢).

وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال: حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا داود بن المحبر، حدثنا الصعق بن حزن، حدثنا عقيل الجعدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سويد بن غفلة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم" وذكر نحو ما تقدم وفيه " ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ هم الذين آمنوا بي وصدقوني ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ وهم الذين كذبوني


(١) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٢) في سنده بكير بن معروف وهو: صدوق فيه لين. (التقريب ص ١٢٨) ويتقوى بالروايات التالية على رأي الحافظ ابن كثير كما يلي.