يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المعاندين المحادِّين لله ورسوله؛ يعني: الذين هم في حدّ والشرع في حدّ؛ أي: مجانبون للحقِّ مشاقون له هم في ناحية والهدى في ناحية ﴿أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب الأذلِّين في الدنيا والآخرة.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ أي: قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة وأن العاقبة للمتقين كما قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)﴾ [غافر] وقال ههنا ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)﴾ أي: كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه، وهذا قدر محكم وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ أي: لا يوادّون المحادّين ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ الآية [آل عمران: ٢٨].
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤)﴾ [التوبة] لتوبة، وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أُنزلت هذه الآية ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إلى آخرها في أبي عُبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر (١)، ولهذا قال عمر بن الخطاب ﵁ حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة ﵃: ولو كان أبو عبيدة حيًا لاستخلفته.
وقيل في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾: نزلت في أبي عُبيدة قتل أباه يوم بدر ﴿أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ في الصديق هم يومئذٍ بقتل ابنه عبد الرحمن ﴿أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾ في مصعب بن عُمير، قتل
(١) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن ابن شوذب، وسنده معضل وكذلك رواية سعيد بن عبد العزيز، وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١/ ١٥٤ ح ٣٦٠) والحاكم في (المستدرك ٣/ ٢٦٤) كلاهما من طريق عبد الله بن شوذب. وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب. (الإصابة ٧/ ٩٣) ولكنه منقطع في عدم ذكر شيخ ابن شوذب ومن يليه.