للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخاه عُبيد بن عُمير يومئذٍ ﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ في عمر قتلَ قريبًا له يومئذٍ أيضًا، وفي حمزة وعلي وعُبيدة بن الحارث قتلوا عُتبة وشَيبة والوليد بن عُتبة يومئذٍ، فالله أعلم.

قلت: ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله المسلمين في أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعلَّ الله تعالى أن يهديهم.

وقال عمر: لا أرى ما رأى، يا رسول الله هل تمكِّنني من فلان قريب لعمر فأقتله، وتمكِّن عليًا من عقيل وتمكِّن فلانًا من فلان ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين القصة بكمالها (١).

وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ أي: من اتَّصف بأنه لا يوادّ من حادَّ الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه، فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان؛ أي: كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته.

قال السدي: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ جعل في قلوبهم الإيمان.

وقال ابن عباس: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ أي: قواهم.

وقوله تعالى: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ كل هذا تقدم تفسيره غير مرة، وفي قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ سِرٌ بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم.

وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي: هؤلاء حزب الله؛ أي: عباد الله وأهل كرامته. وقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة في مقابلة ما ذكر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان ثم قال: ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن حميد الواسطي، حدثنا الفضل بن عنبسة، عن رجل قد سماه فقال: هو عبد الحميد بن سليمان - انقطع من كتابي - عن الذيال بن عباد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: اعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله تعالى على أيدي أوليائه لأوليائه، وأنهم الخامل ذكرهم الخفية شخوصهم، ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول الله : "إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة" (٢). فهؤلاء أولياء الله تعالى الذين قال الله: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

وقال نعيم بن حماد: حدثنا محمد بن ثور، عن يونس، عن الحسن قال: قال رسول الله : "اللَّهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدًا ولا نعمة، فإني وجدت فيما أوحيته إليَّ ﴿لَا تَجِدُ


(١) تقدم تخريجها في تفسير سورة الأنفال آية ٦٧.
(٢) سنده ضعيف لإرساله، ولبعضه شاهد في صحيح مسلم بلفظ: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي". (صحيح مسلم، الزهد والرقائق ح ٢٩٦٥).