للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأنصار فعاتبهم الله في ذلك فقال تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)﴾ قال: وقال رسول الله : "إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم" فقالوا: أموالنا بيننا قطائع، فقال رسول الله : "أو غير ذلك" قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر" فقالوا: نعم يا رسول الله (١).

وقوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ يعني: حاجة؛ أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.

وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "أفضل الصدقة جهد المقلّ" (٢) وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [الإنسان: ٨].

وقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧] فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه، ومن هذا المقام تصدق الصديق بجميع ماله، فقال له رسول الله : "ما أبقيت لأهلك؟ " فقال : أبقيت لهم الله ورسوله (٣)، وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء، فردَّه الآخر إلى الثالث فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم، ولم يشربه أحد منهم وأرضاهم.

وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدثنا أبو أسامة، حدثنا فضيل بن غزوان، حدثنا أبو حازم الأشجعي، عن أبي هريرة قال: أتى رجل لرسول الله فقال يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي : "ألا رجل يضيف هذه الليلة " فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله لا تدخريه شيئًا، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية. قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي فأطفئ السراج ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله فقال: "لقد عجب الله ﷿ أو ضحك - من فلان وفلانة" فأنزل الله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (٤). وكذا رواه البخاري في موضع آخر ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن فضيل بن غزوان (٥)، وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري


(١) أخرجه الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن زيد، وسنده ضعيف لأنه معضل، وعبد الرحمن بن زيد: ضعيف.
(٢) أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي (السنن، الصلاة ح ١٤٤٩) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٢٨٦).
(٣) أخرجه الترمذي من حديث عمر بن الخطاب . (السنن، المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق ح ٣٩٣٩) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٩٠٢).
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الحشر: ٩] ح ٤٨٨٩).
(٥) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب قول الله ﷿: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ (ح ٣٧٩٨) وصحيح مسلم، الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره (ح ٢٠٥٤/ ١٧٢). وسنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة الحشر (ح ٣٣٠١)، والسنن الكبرى للنسائي، التفسير، باب ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ (ح ١١٥٨٢).