للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦)﴾ قال: كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجر بها فحملت، فأتاه الشيطان فقال له: اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يسمع قولك، فقتلها ثم دفنها قال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا: لا بل قصها علينا. قال فقصَّها فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك، فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك، قالوا: فوالله ما هذا إلا لشيء قال: فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان، فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري، فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، قال: فسجد له، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل (١). وكذا روي عن ابن عباس وطاوس ومقاتل بن حيان نحو ذلك، واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا. فالله أعلم.

وهذه القصة مخالفة لقصة جُريج العابد فإن جُريجًا اتهمته امرأة بَغي بنفسها، وادعت أن حملها منه ورفعت أمرها إلى ولي الأمر فأمر به فأنزل من صومعته وخربت صومعته وهو يقول: ما لكم ما لكم؟ قالوا: يا عدو الله فعلت بهذه المرأة كذا وكذا، فقال جُريج: اصبروا ثم أخذ ابنها وهو صغير جدًا، ثم قال: يا غلام من أبوك؟ قال: أبي الراعي، وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه، فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلُّهم تعظيمًا بليغًا، وقالوا: نعيد صومعتك من ذهب، قال: لا بل أعيدوها من طين كما كانت (٢).

وقوله تعالى: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا﴾ أي: فكان عاقبة الأمر بالكفر والفاعل له ومصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ أي: جزاء كل ظالم.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عون بن أبي جُحَيفة، عن المنذر بن جرير، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة محتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مُضَر بل كلهم من مُضَر، فتغير وجه رسول الله لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذن وأقام الصلاة


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ويشهد له سابقه.
(٢) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة . (الصحيح، أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [مريم: ١٦] ح ٣٤٣٦) وهذه القصة غير القصة السابقة.