للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إيراده: فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله من الجذع وهكذا هذه الآية الكريمة إذا كانت الجبال الصمُّ لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ الآية [الرعد: ٣١]. وقد تقدم أن معنى ذلك؛ أي: لكان هذا القرآن، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٤].

ثم قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢)﴾ أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا ربَّ غيره ولا إله للوجود سواه، وكل ما يعبد من دونه فباطل، وأنه عالم الغيب والشهادة؛ أي: يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير حتى الذرّ في الظلمات.

وقوله تعالى: ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ههنا، والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وقد قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] وقال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤] وقال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)[يونس].

ثم قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ﴾ أي: المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة.

وقوله تعالى: ﴿الْقُدُّوسُ﴾ قال وهب بن منبه: أي الطاهر.

وقال مجاهد وقتادة: أي: المبارك (١).

وقال ابن جريج: تقدسه الملائكة الكرام ﴿السَّلَامُ﴾ أي: من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.

وقوله تعالى: ﴿الْمُؤْمِنُ﴾ قال الضحاك عن ابن عباس: أي: [أمن خلقه من] (٢) أن يظلمهم (٣).

وقال قتادة: أمن بقوله أنه حق (٤).

وقال ابن زيد: صدق عباده المؤمنين في إيمانهم به (٥).

وقوله تعالى: ﴿الْمُهَيْمِنُ﴾.

قال ابن عباس وغير واحد: أي: الشاهد على خلقه بأعمالهم (٦)، بمعنى هو رقيب عليهم


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض.
(٣) سنده ضعيف لأن الضحاك لم يلق ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد بنحوه.
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "الشهيد".