للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال محمد بن إسحاق: عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، عن عبادة بن الصامت قال: كنتُ فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلًا فبايعنا رسول الله على بيعة النساء، وذلك قبل أن يفرض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، وقال: "فإن وفيتم فلكم الجنة" (١) رواه ابن أبي حاتم.

وقد روى ابن جرير من طريق العوفي، عن ابن عباس أن رسول الله أمر عمر بن الخطاب فقال: "قل لهنَّ إن رسول الله يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا" وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء فقالت: إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني، وإنما تنكرت فَرَقًا (٢) من رسول الله ، فسكت النسوة اللاتي مع هند وأبين أن يتكلمن فقالت هند وهي متنكرة: كيف تقبل من النساء شيئًا لم تقبله من الرجال؟

ففطن إليها رسول الله وقال لعمر: "قل لهنَّ ولا يسرقن" قالت هند: والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنات ما أدري أيحلهنَّ لي أم لا؟ قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله وعرفها فدعاها، فأخذت بيده فعاذت به فقال: "أنت هندِ؟ " قالت: عفا الله عما سلف، فصرف عنها رسول الله فقال: "ولا يزنين" فقالت: يا رسول الله، وهل تزني امرأة حرة؟ قال: "لا والله ما تزني الحرة، قال: ولا يقتلن أولادهن" قالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر، قال: ﴿وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ قال: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قال: منعهن أن ينحن، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ويقطعن الشعور، ويدعون بالويل والثبور (٣). وهذا أثر غريب وفي بعضه نكارة والله أعلم، فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله يخيفهما بل أظهرا الصفاء والودَّ له، وكذلك كان الأمر من جانبه لهما.

وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية يوم الفتح، بايع رسول الله الرجال على الصفا، وعمر بايع النساء تحتها عن رسول الله فذكر بقيته كما تقدم وزاد: فلما قال: ولا تقتلن أولادكن. قالت هند: ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارًا، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى. رواه ابن أبي حاتم (٤). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثتني غبطة بنت سليمان، حدثتني عمتي، عن جدتها، عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله لتبايعه فنظر إلى يدها فقال: "اذهبي فغيري يدك" فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال: "أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا" فبايعته وفي يدها سواران من ذهب، فقالت: ما تقول في هذين السوارين؟ فقال: "جمرتان من نار جهنم" (٥).


(١) ذكره ابن هشام (السيرة ٢/ ٢٩٥) ويتقوى بما سبق.
(٢) أي: خوفًا.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي به.
(٤) سنده ضعيف لإعضاله.
(٥) أخرجه أبو يعلى من طريق نصر بن علي به (المسند ٨/ ١٩٤ ح ٤٧٥٤) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهن. =