للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمسُّ لفظ يورد ههنا ما رواه مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عَزَّة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع ذلك، كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضًا؟ فقال: طلق ابن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول الله ، فقال رسول الله : "ليراجعها". فردَّها. وقال: إذا طهرت فليطلق أو يمسك. قال ابن عمر: وقرأ النبي ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ (١).

وقال الأعمش: عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله في قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ قال: الطهر من غير جماع (٢). وروي عن ابن عمر وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين وقتادة وميمون بن مهران ومقاتل بن حيان مثل ذلك وهو رواية عن عكرمة والضحاك (٣).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ قال: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة (٤).

وقال عكرمة: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ العدة: الطهر، والقرء: الحيضة أن يطلقها حبلى مستبينًا حملها ولا يطلقها وقد طاف عليها ولا يدري حبلى هي أم لا.

ومن ههنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق، وقسموه إلى طلاق سنة وطلاق بدعة، فطلاق السنة أن يطلقها طاهرة من غير جماع أو حاملًا قد استبان حملها، والبدعي هو أن يطلقها في حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه ولا يدري أحملت أم لا؟ وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة وهو طلاق الصغيرة والآيسة وغير المدخول بها، وتحرير الكلام في ذلك وما يتعلق به مستقصى في كتب الفروع والله أعلم.

وقوله: ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ أي: احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها، لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾ أي: في ذلك.

وقوله: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ أي: في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه، فليس للرجل أن يخرجها ولا يجوز لها أيضًا الخروج لأنها معتقلة لحق الزوج أيضًا.

وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ أي: لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة


(١) أخرجه مسلم من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج به بلفظ: "أو ليمسك". (الصحيح، الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ح ١٤٧١/ ١٤).
(٢) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق الثوري عن الأعمش به.
(٣) قول ابن عمر تقدم مرفوعًا، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود (المصنف ٥/ ٣) وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا بسند حسن من طريق هشام عن ابن سيرين والحسن. (المصدر السابق ٥/ ٢)، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.