للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على مفارقتها بمعروف؛ أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن.

وقوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ أي: على الرجعة إذا عزمتم عليها كما رواه أبو داود وابن ماجه، عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، وأشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد (١).

وقال ابن جريج: كان عطاء يقول: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل كما قال الله ﷿ إلا أن يكون من عذر.

وقوله: ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي: هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر، وأنه شرع هذا ومن يخاف عقاب الله في الدار الآخرة.

ومن ههنا ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى وجوب الإشهاد في الرجعة كما يجب عنده في ابتداء النكاح، وقد قال بهذا طائفة من العلماء، ومن قال بهذا يقول: إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها.

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ أي: ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ أي: من جهة لا تخطر بباله.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا كهمس بن الحسن، حدثنا أبو السليل، عن أبي ذرٍّ قال: جعل رسول الله يتلو عليَّ هذه الآية ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ حتى فرغ من الآية ثم قال: "يا أبا ذرٍّ لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم". قال: فجعل يتلوها ويرددها عليَّ حتى نعست، ثم قال: "يا أبا ذرّ كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة؟ " قلت: إلى السعة والدعة أنطلق فأكون حمامة من حمام مكة. قال: "كيف تصنع إذا خرجت من مكة؟ ". قال: قلت: إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة قال: "وكيف تصنع إذا خرجت من الشام؟ " قلت: إذًا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي. قال: "أو خير من ذلك؟ " قلت: أو خير من ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع وإن كان عبدًا حبشيًا" (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا علي بن عبيد، حدثنا زكريا، عن عامر، عن [شُتير] (٣) بن شَكل قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن


(١) سنن أبي داود، الطلاق، باب الرجل يراجع ولا يشهد (ح ٢١٨٦) وسنن ابن ماجه، الطلاق، باب الرجعة (ح ٢٠٢٥) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٩١٥).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٥/ ٤٣٦ ح ٢١٥٥١) وضعف سنده محققوه لأن أبا السليل لم يدرك أبا ذرٍّ.
(٣) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "شتل".