للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ أي: عندكم من وجدكم قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني: سعتكم (١). حتى قال قتادة: إن لم تجد إلا جنب بيتك فأسكنها فيه (٢).

وقوله: ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ قال مقاتل بن حيان: يعني يضاجرها لتفتدي منه بمالها أو تخرج من مسكنه.

وقال الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ قال: يطلقها فإذا بقي يومان راجعها (٣).

وقوله: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ قال كثير من العلماء منهم: ابن عباس وطائفة من السلف وجماعات من الخلف هذه في البائن إن كانت حاملًا أنفق عليها حتى تضع حملها (٤)، قالوا: بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء كانت حاملًا أو حائلًا.

وقال آخرون: بل السياق كله في الرجعيات (٥)، وإنما نصَّ على الإنفاق على الحامل وإن كانت رجعية؛ لأن الحمل تطول مدته غالبًا فاحتيج إلى النصِّ على وجوب الإنفاق إلى الوضع لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة.

ثم اختلف العلماء هل النفقة لها بواسطة الحمل أم للحمل وحده؟ على قولين منصوصين عن الشافعي وغيره ويتفرع عليها مسائل كثيرة مذكورة في علم الفروع.

وقوله: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ أي: إذا وضعن حملهن وهن طوالق فقد بنَّ بانقضاء عدتهن، ولها حينئذٍ أن ترضع الولد ولها أن تمتنع منه، ولكن بعد أن تغذيه باللبأ، وهو باكورة اللبن الذي لا قوام للمولود غالبًا إلا به، فإن أرضعت استحقت أجر مثلها، ولها أن تعاقد أباه أو وليه على ما يتفقان عليه من أجرة، ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾.

وقوله: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي: ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف من غير إضرار ولا مضارة كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [٢٣٣].

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ أي: وإن اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة في أجرة الرضاع كثيرًا ولم يجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلًا ولم توافقه عليه فليسترضع له غيرها، فلو رضيت الأم بما استؤجرت به الأجنبية فهي أحق بولدها.

وقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ أي: لينفق على المولود والده ووليه بحسب قدرته ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ كقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].

روى ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام، عن أبي سنان قال سأل عمر بن الخطاب،


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بخبر مجاهد الذي أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٢) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٣) سنده صحيح.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه.
(٥) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا عن إبراهيم النخعي بنحوه.