للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢)﴾.

وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم كما قال تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: ٢٨].

قال قتادة: كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده، فوالله ما ضرَّ امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله تعالى حكم عدل لا يؤاخذ أحدًا إلا بذنبه (١).

وقال جرير: حدثنا إسماعيل بن حفص الأُبلّيّ، حدثنا محمد بن جعفر، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة (٢). ثم رواه عن عبيد بن محمد المحاربي، عن أسباط بن محمد، عن سليمان التيمي به (٣). ثم قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب فيقال: غلب موسى وهارون فتقول: آمنت بربِّ موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فإنها امرأتي، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في الجنة فمضت على قولها وانتزعت روحها وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح (٤) فقولها: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ قالت العلماء: اختارت الجار قبل الدار، وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع: "ونجني من فرعون وعمله" أي: خلصني منه، فإني أبرأ إليك من عمله ﴿وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم .

وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون فوقع المشط من يدها فقالت: تعس من كفر بالله فقالت لها بنت فرعون: ولك ربٌّ غير أبي؟ قالت: نعم ربي ورب أبيك ورب كل شيء الله. فلطمتها بنت فرعون وضربتها وأخبرت أباها، فأرسل إليها فرعون فقال: تعبدين ربًا غيري؟ قالت: نعم ربي وربك ورب كل شيء الله وإياه أعبد، فعذبها فرعون وأوتد لها أوتادًا فشد يديها ورجليها وأرسل عليها الحيات، فكانت كذلك، فأتى عليها يومًا فقال: ما أنت منتهية؟ فقالت له: ربي وربك ورب كل شيء الله. فقال لها: إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي. فقالت له: اقضِ ما أنت قاضٍ، فذبح ابنها في فيها وإن روح ابنها بشرها


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه الحاكم من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي به وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٩٦).
(٣) أخرجه الطبري عن عبيد به.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإرساله.