للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)

يقول تعالى آمرًا رسوله الكفار والمنافقين هؤلاء بالسلاح والقتال، وهؤلاء بإقامة الحدود عليهم: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ أي: في الدنيا ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي: في الآخرة.

ثم قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم أن ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلًا ونهارًا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ أي: في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجد ذلك كله شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا، ولهذا قال: ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ أي: لكفرهما ﴿وَقِيلَ﴾ أي: للمرأتين: ﴿ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ وليس المراد بقوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ في فاحشة بل في الدين فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور.

قال سفيان الثوري: عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قتَّة سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ قال: ما زنتا، أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدلُّ قومها على أضيافه (١).

وقال العوفي، عن ابن عباس قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على عَورتيهما فكانت امرأة نوح تطلع على سرِّ نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدًا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء (٢).

وقال الضحاك، عن ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين (٣)، وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك (٤) وغيرهم.

وقد استدل بهذه الآية الكريمة بعض العلماء على ضعف الحديث الذي يأثره كثير من الناس: "من أكل مع مغفور له غفر له" وهذا الحديث لا أصل له، وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي المنام فقال: يا رسول الله أنت قلت: "من أكل مع مغفور له غفر له؟ " قال: لا ولكني الآن أقوله (٥).


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة هود آية ٤٦.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق الضحاك به، والضحاك لم يلق ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري بسندين عن عكرمة يقوي أحدهما الآخر، وأخرجه أيضًا الطبري بسند جيد من طريق أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير.
(٥) ذكره ابن القيم وقال: موضوع (المنار المنيف ص ١٤٠) وأيده الألباني في السلسلة الضعيفة ١/ ٣٢٦ (ح ٣١٥).