للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله مختصرًا وروى البيهقي في كتاب "إثبات عذاب القبر" (١) عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا ما يشهد لهذا، وقد كتبناه في كتاب الجنائز من الأحكام الكبرى ولله الحمد والمنة.

﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥)﴾.

يمجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك؛ أي: هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء؛ لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

ثم قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ واستدل بهذه الآية من قال: إن الموت أمر وجودي؛ لأنه مخلوق، ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم؛ أي: يختبرهم أيهم أحسن عملًا كما قال: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] فسمى الحال الأول وهو العدم موتًا، وسمى هذه النشأة حياة، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا خُليد، عن قتادة في قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ قال: كان رسول الله يقول: "إن الله أذلَّ بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء" (٢). ورواه معمر، عن قتادة (٣).

وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أي: خير عملًا؛ كما قال محمد بن عجلان: ولم يقل أكثر عملًا.

ثم قال: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ أي: هو العزيز العظيم المنيع الجناب، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره وإن كان تعالى عزيزًا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز.

ثم قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾ أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض أو متفاصلات بينهن خلاء؟

فيه قولان: أصحهما الثاني كما دلَّ على ذلك حديث الإسراء وغيره.

وقوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ أي: بل هو مصطحب مستو ليس فيه اختلاف ولا


(١) أخرجه الحاكم من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود موقوفًا مختصرًا؛ وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٩٨)؛ وأخرجه البيهقي من طريق مسروق عن ابن مسعود مختصرًا (إثبات عذاب القبر رقم ٩٩).
(٢) سنده ضعيف لإرساله.
(٣) أخرجه الطبري من طريق معمر به، وسنده كسابقه.