للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به.

رواه ابن جرير (١) وابن أبي حاتم.

﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)﴾.

يقول تعالى ﴿و﴾ أعتدنا للذين ﴿كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي: بئس المآل والمنقلب. ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا﴾ قال ابن جرير: يعني الصياح.

﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ قال الثوري: تغلي بهم كما يغلي الحَبُّ القليل في الماء الكثير.

وقوله: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ أي: تكاد ينفصل بعضها من بعض من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩)﴾ يذكر تعالى عدله في خلقه؛ وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١] وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة وندموا حيث لا تنفعهم الندامة فقالوا: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنزله الله من الحق لما كنا على ما نحن عليه من الكفر بالله والاغترار به، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم؛ قال الله تعالى: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول الله أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" (٢).

وفي حديث آخر: "لا يدخل أحد النار إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة" (٣).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٠/ ٢٢٢ ح ١٨٢٨٩) وصحح سنده محققوه؛ وأخرجه أبو داود من طريق شعبة به (السنن، الملاحم، باب الأمر والنهي ح ٤٣٤٧)؛ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣/ ٨٢٠؛ وحسنه البغوي (مشكاة المصابيح ٣/ ١٤٢٤ ح ٥١٤٦)؛ وحسنه السيوطي (الجامع الصغير ٥/ ٣٠٤ ح ٧٣٩٧).
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "لا يدخل أحد الجنة إلا أُرى مقعده من النار لو أساء" (الصحيح، الرقاق، باب صفة الجنة والنار ح ٦٥٦٩).