للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله ﷿، وهو المسخِّر المسيّر المسبِّب ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أي: المرجع يوم القيامة.

قال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾: أطرافها وفجاجها ونواحيها (١).

وقال ابن عباس وقتادة أيضًا: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾: الجبال (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الآية ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ فقال: لأُم ولد له: إن علمت ما مناكبها؟ فأنت عتيقة. فقالت: هي الجبال، فسأل أبا الدرداء فقال: هي الجبال (٣).

﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)﴾.

وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح ويؤجل ولا يعجل كما قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (٤٥)[فاطر].

وقال ههنا: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)﴾ أي: تذهب وتجيء وتضطرب

﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ أي: ريحًا فيها حصباء تدمغكم كما قال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨)[الإسراء]. وهكذا توعدهم ههنا بقوله: ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: من الأمم السالفة والقرون الخالية ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؛ أي: عظيمًا شديدًا أليمًا.

ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ أي: تارة يصففن أجنحتهن في الهواء وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ أي: في الجو ﴿إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾ أي: بما سخر لهن من الهواء من رحمته ولطفه ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ أي: بما يصلح كل شيء من مخلوقاته، وهذه كقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩)[النحل].


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس؛ ويتقوى بما أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس؛ وأخرجه الطبري وعبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٣) سنده ضعيف لضعف عمرو بن حكام (لسان الميزان ٤/ ٣٦٠). والتفسير يتقوى بسابقه.