للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ أي: تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد؛ أي: قالت الجن: تنزه الربُّ حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ثم قالوا: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (٤)﴾.

قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي: ﴿سَفِيهُنَا﴾ يعنون: إبليس (١).

﴿شَطَطًا﴾ قال السدي عن أبي مالك: ﴿شَطَطًا﴾ أي: جورًا.

وقال ابن زيد: أي ظلمًا كبيرًا (٢).

ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولدًا، ولهذا قالوا: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ أي: قبل إسلامه ﴿عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ أي: باطلًا وزورًا، ولهذا قالوا: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)﴾ أي: ما حسبنا أن الإنس والجنَّ يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.

وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)﴾ أي: كنا نرى أن لنا فضلًا على الإنس؛ لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديًا أو مكانًا موحشًا من البراري وغيرها، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقًا؛ أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذًا بهم، كما قال قتادة: ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ أي: إثمًا وازدادت الجن عليهم جراءة (٣).

وقال السدي: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجنِّ أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال قتادة: فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجنّ الأذى عند ذلك.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجنُّ يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد، فكان الإنس إذا نزلوا واديًا هرب الجنُّ، فيقول سيد القوم: نعوذ بسيد أهل هذا الوادي، فقال الجنُّ: نراهم يفَرقُون (٤) منا كما نفرق منهم، فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول الله ﷿: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)


= أبو الأب وهو من جهلة الجن كما ذكر الطبري عن بعض المفسرين. ولكن هذا التفسير الوارد عن ابن عباس خلاف ما ثبت عنه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فعله وأمره وقدرته، وهو المناسب للسياق، وبه قال بعض التابعين كما تقدم، وهو الذي رجحه الإمام الطبري.
(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري أيضًا بسند ضعيف فيه إبهام الراوي عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أي: يخافون.