للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ أي: منا المسلم ومنا القاسط، وهو الجائر عن الحق الناكب عنه، بخلاف المقسط فإنه العادل ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أي: طلبوا لأنفسهم النجاة

﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)﴾ أي: وقودًا تسعر بهم.

وقوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين:

أحدهما: وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أي: كثيرًا، والمراد بذلك سعة الرزق، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦] وكقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ٩٦] وعلى هذا يكون معنى قوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أي: لنختبرهم، كما قال مالك، عن زيد بن أسلم: لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية (١).

ذكر من قال بهذا القول:

قال العوفي، عن ابن عباس: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يعني: بالاستقامة الطاعة (٢).

وقال مجاهد: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قال: الإسلام (٣). وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي (٤).

وقال قتادة: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا (٥).

وقال مجاهد: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أي: طريقة الحق (٦)، وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما (٧)، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أي: لنبتليهم به (٨).

وقال مقاتل: نزلت في كفار قريش حين مُنعوا المطر سبع سنين (٩).

والقول الثاني: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ الضلال ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أي: لأوسعنا عليهم الرزق استدراجًا، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)[الأنعام] وكقوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ


(١) سنده صحيح.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به ومعناه صحيح، ويشهد له ما يليه.
(٣) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا عن مجاهد.
(٤) اْخرجه الطبري بسند ضعيف فيه رجل مبهم عن سعيد بن جبير.
(٥) أخرجه عبد الرزاق الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عبيد الله بن أبي زياد عن مجاهد، وعبيد الله ليس بالقوي (التقريب ص ٣٧١) وفيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف، ومعناه صحيح.
(٧) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخه عن الضحاك بلفظ: "هذا مثل ضربه الله" كقوله: ثم ذكر الآيتين السابقتين اللتين استشهد بهما الحافظ ابن كثير.
(٨) هو تتمة للأثر السابق.
(٩) سنده ضعيف لأنه معضل.