للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جرير، وهو الأظهر لقوله بعده: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠)﴾ أي: قال لهم الرسول لما آذوه وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته.

﴿إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ أي: إنما أعبد ربي وحده لا شريك له وأستجير به وأتوكل عليه ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾

وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)﴾ أي: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كله إلى الله ﷿،

ثم أخبر عنِ نفسه أيضًا أنه لا يجيره من الله أحد؛ أي: لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ قال: مجاهد وقتادة والسدي: لا ملجأ (١).

وقال قتادة أيضًا: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢)﴾ أي: لا نصير ولا ملجأ (٢). وفي رواية: لا ولي ولا موئل.

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾ قال بعضهم: هو مستثنى من قوله: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١) إِلَّا بَلَاغًا﴾ ويحتمل أن يكون استثناء من قوله: ﴿لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ أي: لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أي: أنا أبلغكم رسالة الله فمن يعصِ بعد ذلك فله جزاءً على ذلك نار جهنم، خالدين فيها أبدًا؛ أي: لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها.

وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (٢٤)﴾ أي: حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن والإنس ما يوعدون يوم القيامة، فسيعلمون يومئذٍ من أضعف ناصرًا وأقل عددًا، هم أم المؤمنون الموحدون لله تعالى؟ أي: بل المشركون لا ناصر لهم بالكلية وهم أقل عددًا من جنود الله ﷿.

﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)﴾.

يقول تعالى آمرًا رسوله أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد؟ ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥)﴾ أي: مدة طويلة، وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه لا يؤلف تحت الأرض (٣)، كذب لا أصل له، ولم نره في شيء من الكتب، وقد كان يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها، ولما تبدَّى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما سأله أن قال: يا


(١) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) لا أصل له: انظر المقاصد الحسنة ص ٤٤٣ والأسرار المرفوعة ص ٣٥٣ وأجوبة الحافظ لتلاميذه ص ٧٣.