للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ﴾ حتى بلغ ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ [المزمل: ٢٠] وقال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)[الإسراء] (١) وهذا الذي قاله كما قاله.

والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا يحيى، حدثنا سعيد وهو: ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعيد بن هشام أنه طلَّق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارًا له بها، ويجعله في الكراع والسلاح ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطًا من قومه فحدثوه أن رهطًا من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله فقال: "أليس لكم فيّ أسوة حسنة؟ " فنهاهم عن ذلك فأشهدهم على رجعتها، ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله ؟ قال: نعم، قال: ائت عائشة فسلها ثم ارجع إليّ فأخبرني بردِّها عليك. قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت فيها إلا مضيًا، فأقسمتُ عليه، فجاء معي فدخلنا عليها فقالت: حكيم؟ وعرفته. قال: نعم. قالت: من هذا الذي معك؟ قال: سعيد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر: قالت: فترحمت عليه وقالت: نعم المرء كان عامرًا. قلت: يا أُم المؤمنين أنبئيني عن خلُق رسول الله ؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلُق رسول الله كان القرآن، فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله ، قلت: يا أُم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله . قالت: ألست تقرأ هذه السورة ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)﴾؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرًا، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعًا من بعد فريضة.

فهممت أن أقوم ثم بدا لي وتر رسول الله فقلت: يا أُم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثمان ركعات ولا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ثم ينهض وما يسلم، ثم يقول ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده ثم يدعوه ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسنَّ رسول الله وأخذه اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم فتلك تسع يا بني، وكان رسول الله إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان. فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقت أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة (٢)، هكذا رواه الإمام أحمد بتمامه، وقد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث قتادة بنحوه (٣).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤٠/ ٣١٤ - ٣١٦ ح ٢٤٢٦٩) وقال محققوه: إسناده صحيح.
(٣) صحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل (ح ٧٤٦).