للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)﴾ أي: إنما أرهقناه صعودًا؛ أي: قربناه من العذاب الشاق لبعده عن الإيمان لأنه فكر وقدر؛ أي: تروَّى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكر ماذا يختلق من المقال ﴿وَقَدَّرَ﴾ أي: تروَّى

﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ دعاء عليه

﴿ثُمَّ نَظَرَ (٢١)﴾ أي: أعاد النظرة والتروي

﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ أي: قبض بين عينيه وقطب ﴿وَبَسَرَ﴾ أي: كلح وكره، ومنه قول توبة بن الحُميِّر:

وقد رابني منها صدودٌ رأيته … وإعراضها عن حاجتي وبُسُورُها (١)

وقوله: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣)﴾ أي: صرف عن الحق ورجع القهقهرى مستكبرًا عن الانقياد للقرآن

﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)﴾ أي: هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله ويحكيه عنهم، ولهذا قال: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)﴾ أي: ليس بكلام الله، وهذا المذكور في هذا السياق هو الوليد بن المغيرة المخزومي أحد رؤساء قريش لعنه الله، وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي عن ابن عباس قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبًا لما يقول ابن أبي كبشة، فواللهِ ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ (٢) الوليد لتصبو قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته، فقال للوليد: ألم ترَ إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ فقال: ألست أكثرهم مالًا وولدًا؟ فقال أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه، فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي؟ فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولا عمر ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على رسوله : ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)﴾ إلى قوله: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)(٣).

وقال قتادة: زعموا أنه قال: واللهِ لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة، وإنه عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وما أشك أنه سحر فأنزل الله: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩)﴾ الآية (٤).

﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢)﴾ قبض ما بين عينيه وكلح.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عباد بن منصور، عن عكرمة، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ عليه القرآن، فكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام فأتاه فقال: أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا. قال:


(١) استشهد به معمر بن المثنى. (مجاز القرآن ٢/ ٢٧٥) والطبري.
(٢) أي: خرج من الملة، وكانوا على الشرك.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، وله شواهد ومتابعات تقويه كما يليه، فقد أخرجه الحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧)، وأخرج الطبري بسند رجاله ثقات عن مجاهد أنه الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة وهو مرسل ويتقوى بالمراسيل التالية.
(٤) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات عن قتادة ولكنه مرسل ويتقوى بالمراسيل الأخرى ويقويها.