للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على مشركي قريش حين ذكروا عدد الخزنة فقال أبو جهل: يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾ أي: شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون، وقد قيل: إن أبا الأشدين واسمه: كلدة بن أسيد (١) بن خلف قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر إعجابًا منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه.

قال السهيلي: وهو الذي دعا رسول الله إلى مصارعته، وقال: إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي مرارًا فلم يؤمن، قال: وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب (٢).

(قلت): ولا منافاة بين ما ذكراه والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختبارًا منا للناس ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ أي: يعلمون أن هذا الرسول حق فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ أي: إلى إيمانهم؛ أي: بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد ﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أي: من المنافقين ﴿وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ أي: يقولون ما الحكمة في ذكر هذا ههنا؟ قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.

وقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى؛ لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة ومن الفلاسفة اليونانيين ومن شايعهم من الملَّتين الذين سمعوا هذه الآية فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها، فأفهموا صدر هذه الآية وقد كفروا بآخرها وهو قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.

وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: "فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر قال: قال رسول الله : "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطَّت (٤) السماء، وحُقَّ لها أن تئط ما فيها موضع أصبع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم


(١) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات عن مجاهد بنحوه ولكنه مرسل.
(٢) الروض الأنف ١/ ٢٠٠.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء.
(٤) أي: إن كثرة ما فيها من الملائكة أثقلتها حتى أطّت.