للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نَكِيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧] أي: ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال ههنا: ﴿لَا وَزَرَ﴾ أي: ليس لكم مكان تعتصمون فيه، ولهذا قال: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢)﴾ أي: المرجع والمصير.

ثم قال تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)﴾ أي: يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها، كما قال تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] وهكذا قال ههنا: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ أي: هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر، وكما قال تعالى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)[الإسراء].

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)﴾ يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه (١).

وقال قتادة: شاهد على نفسه (٢). وفي رواية قال: إذا شئت واللّه رأيته بصيرًا بعيوب الناس وذنوبهم غافلًا عن ذنوبه. وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوبًا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك وتترك الجِذْل في عينك لا تبصره! (٣).

وقال مجاهد: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ ولو جادل عنها فهو بصير عليها (٤).

وقال قتادة: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه (٥).

وقال السدي: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ حجته (٦). وكذا قال ابن زيد والحسن البصري وغيرهم واختاره ابن جرير (٧).

وقال قتادة، عن زرارة، عن ابن عباس ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ يقول: لو ألقى ثيابه (٨).

وقال الضحاك: ولو ألقى ستوره وأهل اليمن (٩)، يسمون الستر: العذار. والصحيح قول مجاهد وأصحابه كقوله: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)[الأنعام] وكقوله: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [المجادلة].

وقال العوفي، عن ابن عباس ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال: ﴿لَا يَنْفَعُ


= ٣٥٥). وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال عن ابن مسعود بلفظ: "لا حصن"، وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وعطية وأبي قلابة.
(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٦) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر عن الضحاك.
(٧) الذي اختاره الطبري هو قول قتادة: "لو اعتذر".
(٨) أخرجه الطبري من طريق خالد بن قيس عن قتادة به بلفظ: "لو تجرَّد". وفي سنده خالد بن قيس: صدوق يغرب (التقريب ص ١٩٠).
(٩) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر عن الضحاك.