للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: كما أكرمتك بما أنزلت عليك فاصبر على قضائه وقدره واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ أي: لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك بل بلغ ما أنزل إليك من ربك وتوكل على اللَّه، فإن اللَّه يعصمك من الناس، فالآثم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر قلبه

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢٥)﴾ أي: أول النهار وآخره

﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (٢٦)﴾ كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)[الإسراء] وكقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤)[المزمل].

ثم قال تعالى منكرًا على الكفار ومن أشبههم في حبِّ الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ يعني: يوم القيامة

ثم قال تعالى: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ قال ابن عَبَّاسٍ ومجاهد وغير واحد يعني: خلقهم (١). ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ أي: وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة وبدلناهم فأعدناهم خلقًا جديدًا، وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة.

وقال ابن زيد وابن جرير: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ أي: وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم (٢). كقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (١٣٣)[النساء] وكقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)[إبراهيم].

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ يعني هذه السورة تذكرة ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ أي: طريقًا ومسلكًا؛ أي: من شاء اهتدى بالقرآن كقوله تعالى: ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الآية [النساء: ٣٩].

ثم قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أي: لا يقدر أحد أن يهدي نفسه ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أي: عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ويقيض له أسبابها ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾

ثم قال تعالى: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)﴾ أي: يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فمن يهده فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له.

آخر تفسير سورة الإنسان، [واللّه أعلم] (٣).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس ويتقوى بما يليه: فقد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) ذكره الطبري بنحوه، وأخرجه بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد بنحوه.
(٣) زيادة من (حم).