للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الموصلي، حَدَّثَنَا عقبة بن سالم، عن أيوب بن عتبة، عن عطاء، عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول اللّه : "سل واستفهم" فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنتُ بما آمنتَ به وعملتُ بما عملتَ به إني لكائن معك في الجنة؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ثم قال رسول الله : "من قال: لا إله إلا اللَّه كان له بها عهد عند اللَّه، ومن قال: سبحان اللَّه وبحمده كتب له مِائَة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة، فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول اللَّه؟ " فقال رسول الله : "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم اللَّه، فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده اللَّه برحمته، ونزلت هذه السورة ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ قال: نعم فاستبكى حتَّى فاضت نفسه". قال ابن عمر: ولقد رأيت رسول الله يدليه في حفرته بيده (١).

وقوله: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ أي: لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو: رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس.

﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ وهذه صفة الأبرار وأما المقربون فكما قال تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣].

ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ أي: طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغلّ والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين فكأنما أُلهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب اللَّه ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن.

وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)﴾ أي: يقال لهم ذلك تكريمًا لهم وإحسانًا إليهم كما قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (٢٤)[الحاقة] وكقوله تعالى: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣].

وقوله: ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ أي: جزاكم اللَّه تعالى على القليل بالكثير.

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (٢٦) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (٢٨) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)﴾.

يقول تعالى ممتنًا على رسوله بما أنزله عليه من القرآن العظيم تنزيلًا: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾


(١) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١٢/ ٤٣٦ ح ١٣٥٩٥) وسنده ضعيف لضعف أيوب بن عتبة. (مجمع الزوائد ١٠/ ٤٣٣ والتقريب ص ١١٨).