للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالزنجبيل وهو: حار ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفًا كما قاله قتادة وغير واحد (١)، وقد تقدم قوله جلَّ وعلا: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ وقال هاهنا ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (١٨)﴾ أي: الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلًا.

قال عكرمة: اسم عين في الجنة (٢).

وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها (٣).

وقال قتادة: عينًا فيها تسمى سلسبيلًا عين سلسة مستقيد ماؤها (٤).

وحكى ابن جرير، عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق (٥)، واختار هو أنها تعم ذلك كله، وهو كما قال.

وقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)﴾ أي: يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة ﴿مُخَلَّدُونَ﴾ أي: على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن.

قال قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد اللَّه بن عمرو: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه (٦).

وقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ﴾ أي: وإذا رأيت يا محمد ﴿ثَمَّ﴾ أي: هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ أي: مملكة لله هناك عظيمة وسلطانًا باهرًا، وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجًا منها وآخر أهل الجنة دخولًا إليها: إن لك مثلَ الدنيا وعشرة أمثالها (٧)، وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه : "إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه" (٨) فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى.

وقد روى الطبراني ههنا حديثًا غريبًا جدًا فقال: حَدَّثَنَا علي بن عبد العزيز، حَدَّثَنَا محمد بن عمار


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بلفظ: "تُمزج بالزنجبيل". وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: "يشربها المقربون صِرفًا، وتمزج لسائر أهل الجنة".
(٢) معناه صحيح.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) ذكره الطبري ونسبه إلى بعض نحويي الكوفة، ومنهم الفراء فقد ذكره في معاني القرآن ٣/ ٢١٧.
(٦) أخرجه هناد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. (الزهد رقم ١٧٤) وسنده صحيح.
(٧) أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود (الصحيح، الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا ح ١٨٦).
(٨) تقدم تخريجه في تفسير سورة القيامة آية ٢٣.