للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)﴾ أي: كالإبل السود. قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير (١).

وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير ﴿جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ يعني: حبال السفن (٢)، وعنه أعني ابن عباس ﴿جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ قطع نحاس (٣).

وقال البخاري: حَدَّثَنَا عمرو بن علي، حَدَّثَنَا يحيى، أخبرنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال سمعت ابن عباس: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢)﴾ قال: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك، فنرفعه للبناء فنسميه القصر ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)﴾ حبال السفن تجمع حتَّى تكون كأوساط الرجال (٤). ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)﴾.

ثم قال تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥)﴾ أي: لا يتكلمون ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)﴾ أي: لا يقدرون على الكلام ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا بل قد قامت عليهم الحجة ووقع القول عليهم بما ظلموا، فهم لا ينطقون وعرصات القيامة حالات، والربُّ تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة وعن هذه الحال تارة ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذٍ، ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧)﴾.

وقوله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)﴾ وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)﴾ يعني: أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر.

وقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)﴾ تهديد شديد ووعيد أكيد؛ أي: إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا فإنكم لا تقدرون على ذلك كما قال تعالى: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣)[الرحمن] وقد قال تعالى ﴿وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا﴾ [هود: ٥٧].

وفي الحديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني" (٥).

وقد قال ابن أبي حاتم: ثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي، ثنا محمد بن فضيل، ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن حسان بن أبي المخارق، عن أبي عبد اللَّه الجدلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت وعبد اللَّه بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس، فقال عبادة: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ينفذهم ويسمعهم الداعي ويقول اللَّه: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)﴾ اليوم لا


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق داود بن أبي هند عن الحسن؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة؛ وأخرجه الطبري من طريق خصيف عن مجاهد، وخصيف سيء الحفظ.
(٢) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي بشر، وهو جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب "كأنه جمالات صفر" ح ٤٩٣٣).
(٥) أخرجه مسلم من حديث أبي ذرٍّ مطولًا (الصحيح، البر والصلة، باب تحريم الظلم ح ٢٥٧٧).