للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير: وقيل: المراد بقوله: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا﴾ يعني: النوم كما قال الكندي:

بردت مراشفها عليَّ فصدَّني … عنها وعن قُبُلاتها البرد

يعني بالبرد: النعاس (١) والنوم، هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد، وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي، عن مُرة الطيب (٢)، ونقله عن مجاهد أيضًا، وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضًا (٣).

وقوله تعالى: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦)﴾ أي: هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا قاله مجاهد وقتادة وغير واحد (٤).

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧)﴾ أي: لم يكونوا يعتقدون أن ثم دارًا يجازون فيها ويحاسبون ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨)﴾ أي: وكانوا يكذبون بحجج اللَّه ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله ، فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة.

وقوله: ﴿كِذَّابًا﴾ أي: تكذيبًا، وهو مصدر من غير الفعل قالوا: وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار؟ وأنشد بعضهم:

لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي … وعن حوج [قضاؤها] (٥) من شفائيا (٦)

وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩)﴾ أي: وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم، وسنجزيهم على ذلك إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

وقوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)﴾ أي: يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذابًا من جنسه ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨)[ص].

قال قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)﴾ قال: فهم في مزيد من العذاب أبدًا (٧).

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا محمد بن محمد بن مصعب الصوري، حَدَّثَنَا خالد بن عبد الرحمن، حَدَّثَنَا جسر بن فرقد، عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب اللَّه على أهل النار. قال: سمعت رسول اللّه قرأ: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)﴾ قال: هلك القوم بمعاصيهم الله ﷿ (٨). جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية.


(١) ذكر الطبري بنحوه، والكندي هو امرؤ القيس وقد ورد هذا البيت في ديوانه ص ٢١٣١.
(٢) طريق السدي عن مُرة الطيب حسن.
(٣) ذكره البغوي عنهما. (معالم التنزيل ٤/ ٤٣٨).
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٥) كذا في تفسير الطبري ومعاني القرآن للفراء ولسان العرب (ق ض ي)، وفي الأصول الخطية بلفظ: "قصارها".
(٦) ذكره الفراء (معاني القرآن ٣/ ٢٢٩) والطبري بنحوه.
(٧) أخرجه الطبري من طريق قتادة به، ولم أقف على ترجمة لأبي أيوب الأزدي، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٨) سنده ضعيف لضعف جسر بن فرقد. (لسان الميزان ٢/ ١٠٤).